لقبت حمص بعاصمة الثورة السورية، إذ شكّلت قدوة للسوريين في أرجاء البلاد وألهمتهم؛ فاتّحد فيها أشخاص من مختلف مناحي الحياة والانتماءات العرقية والدينية للمطالبة بإسقاط نظام الأسد، وتدفق الناشطون والصحفيون إلى المدينة لنقل قصصهم.

اكتسب نجم كرة القدم الصاعد عبد الباسط الساروت لقب "حارس الثورة" بفضل أغانيه الثورية الحماسية، وانضمت إلى الساروت في مظاهرات حمص الممثلة المعروفة فدوى سليمان – وهي علوية الأصل – هاتفةً ضد نظام الأسد. وصوّر نشطاء إعلاميون ثورتهم، من بينهم رامي السيد وخالد أبو صلاح و وئام سيماف بدرخان، فغطّوا المظاهرات وظهور المقاومة المسلحة في الوقت الذي تزايد فيه الخطر على حياة الصحفيين في المدينة.

الصورة: السينما (قاعدة بيانات الأفلام العربية)
الصورة: عمر حاج قدور – وكالة فرانس برس
صورة مصردها موسوعة Alchetron
الصورة: خالد أبو صلاح
الصورة: خالد أبو صلاح
صورة مصردها موسوعة Alchetron
الصورة: عمر حاج قدور – وكالة فرانس برس
الصورة: السينما (قاعدة بيانات الأفلام العربية)
Mustafa Homs, photo provided by his family

وسرعان ما صعّد النظام في ردّه على المظاهرات في حمص، مسجّلًا تحوّلًا في طريقة تعامله مع المخاطر التي أصبحت تهدد بقاءه، وذلك من خلال عملية قمع منظّمة بإحكام اتسمت بأقصى درجات الوحشية.

بدأت تحقيقات لجنة العدالة الدولية والمحاسبة (CIJA) بحمص في منتصف العام 2011، في الوقت الذي تزايدت فيه حدّة ردّ النظام على المظاهرات، فقامت اللجنة بتوظيف مجموعة من الأفراد ومن بينهم الأستاذ مصطفى، وهو محامي من مدينة الرستن في محافظة حمص. وسرعان ما أصبح مصطفى، بفضل مهاراته التحقيقية، قائد فريق اللجنة في المحافظة. على مدى الأشهر والسنوات التي تلت، استطاع مصطفى و فريقه، بسرية وبعناية بالغة، أن يجمع آلاف الصفحات من الأدلة الدامغة وآلاف المقابلات مع الشهود التي أظهرت جميعها كيف صعد النظام السوري وتيرة العنف في حمص، وكيف قامت قيادات النظام العليا بتنظيم الهجمات على سكان حمص المدنيين وأعطت الأوامر بشنّها وتحكّمت فيها عن قرب.

Mustafa Homs, photo provided by his family

بوسع لجنة العدالة الدولية والمحاسبة  أن تكشف اليوم عن عيّنة صغيرة من تلك الوثائق التي تُبيّن كيف قام النظام السوري، عمدًا وعن إسرار وتصميم مسبق، بسحق آمال أبناء حمص بتحقيق الديمقراطية. مع أنّ إجرام النظام في حمص استمر لسنوات طويلة، إلّا أنّ هذا التقرير يركّز على الفترة الممتدة من بداية المظاهرات في مطلع العام 2011 إلى فرض الحصار على بابا عمرو في شباط/فبراير 2012، والهجمات التي استهدفت المركز الإعلامي وأدّت إلى مقتل الصحفية الأمريكية ماري كولفين والمصوّر الفرنسي ريمي أوشليك وإلى سيطرة النظام على حمص.

هذه قصة خنق النظام لحمص، المدينة التي وُلدت من رحمها الثورة وأعطت كوكبة من الأبطال الذين بذلوا أرواحهم، بينهم زميلنا مصطفى، الذي توفي، بعد تهجيره من محافظة حمص، في الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط/فبراير 2023، مع زوجته وأطفاله الأربعة. نُهدي هذا التقرير لذكرى الراحل ومسيرته.